لا السُّهد يدنيني إليه ، ولا الكرى | طَيْفٌ يزورُ بفضله مهما سرى
|
تَخِذَ الدُّجى ، وسماؤه ، ونجومه | سُبُلاً إلى جنيفك ، لم يرضَ الثرى
|
وأتاك موفور النعيم ، تخاله | ملكاً تنمُّ به السماءُ، مُطهَّرا
|
عِلم الظلامُ هبوطه، فمشت له | أهدابه يأخذنه متحدِّراً
|
وَحَمى النَسائِمَ أَن تَروحَ وَأَن تَجي | حَذَراً وَخَوفاً أَن يُراعَ وَيُذعَرا
|
ورقدْتَ تُزْلِف للخيال مكانَه | بين الجفون، وبين هُدبِك، والكرى
|
فهَنِئْتَهُ مثلَ السعادة ِ شائقاً | متصوراً ما شئتَ أَن يَتصورا
|
تطوى له الرقباء منصور الهوى | وتدوس ألسنة الوشاة ِ مظفَّرا
|
* * *
|
لولا امتنانُ العين يا طيفَ الرضا | ما سامحت أيامها فيما جرى
|
باتَت مُشَوَّقَةً وَباتَ سَوادُها | زونا بِتِمثالِ الجَمالِ مُنَوِّرا
|
تُعطى المُنى وَتُنيلُهُنَّ خَليقَةً | بِكَ أَن تُقَدِّمَ في المِنى وَتُؤَخِّرا
|
وَتُعانِقُ القَمَرَ السَنِيَّ عَزيزَةً | حَتّى إِذا وَدَّعتَ عانَقتَ الثَرى
|
في ليلة ٍ قدِم الوجودَ هلالُها | فدنت كواكبُها تُعلِّمه السُّرى
|
وتريه آثار البدورِ ليقتفي | ويرى له الميلادُ أن يتصدّرا
|
ناجيتُ مَن أَهوى ؛ وناجاني بها | بين الرياض ، وبين ماءِ سويسرا
|
حيث الجبالُ صغارُها وكبارُها | من كل أَبيضَ في الفضاءِ وأَخضرا
|
تَخِذَ الغمامُ بها بيوتاً، فانجلت | مشبوبة َ الأجرام ، شائبة َ الذُّرَى
|
* * *
|
والصخرُ عالٍ، قام يشبه قاعداً | وأَناف مكشوفَ الجوانبِ مُنذِرا
|
بين الكواكب والسحابِ، ترى له | أُذُناً من الحجر الأَصمِّ ومِشفَرا
|
قد جاءَها الفاتحُ في عُصْبة ٍ | من الأُسُود الرُّكَّع، السُجَّد
|
والسفحُ من أَيِّ الجهاتِ أَتيتَه | أَلفيته دَرَجاً يَموج مُدوّرا
|
نثرَ الفضاءُ عليه عِقدَ نجومِه | فبدا زَبَرْجَدُه بهنّ مجوهرا
|
وتنظَّمتْ بِيضُ البيوتِ، كأَنها | أَوكارُ طيرٍ، أَو خَمِيسٌ عسكرا
|
وما توانى الرومُ يَفْدُونَها | والسيف في المفْدِيِّ والمفتدِي
|
فخلتُها من قيصرٍ سعدُه | وأُيِّدتْ بالقيصرِ الأسعد
|
والنجمُ يبعث للمياه ضيائه | والكهرباءُ تضيءُ أثناءَ الثرى
|
هام الفراشُ بها ، وحام كتائباً | يحكي حوالَيْها الغمامَ مسيَّرا
|
خُلِقَت لِرَحمَتِهِ فَباتَت نارُهُ | بَرداً وَنارُ العاشِقينَ تَسَعُّرا
|
* * *
|
والماءُ من فوق الديار، وتحتَها | وخِلالها يجري، ومن حول القرى
|
فيا لثأْرٍ بيننا بعده | أقام ، لم يقرب، ولم يبعد
|
مُتصوِّباً، مُتصعِّداً، مُتمهِّلاً | مُتسرِّعاً، مُتسلسِلاً، مُتعثِّرا
|
والأَرضُ جِسْرٌ حيث دُرْت ومَعْبَرٌ | يصلان جسراً في المياه ومعبرا
|
والفُلكُ في ظلّ البيوت موَاخِراً | تطري الجداولَ نحوها والأَنهُرا
|
حتى إذا هَدأَ المَلا في ليله | جاذبتُ لَيلِي ثوبَه متحيِّرا
|
وخرجت من بين الجسور، لعلَّني | أَستقبِل العَرْفَ الحبيبَ إذا سرَى
|
آوي إِلى الشَجَراتِ وَهيَ تَهُزُّني | وَقَدِ اِطمَأَنَّ الطَيرُ فيها بِالكَرى
|
ويهزّ مني الماءُ في لمعانه | فأَميلُ أنظر فيه، أطمعُ أَن أرى
|
* * *
|
وهنالك ازدَهَت السماءُ، وكان أن | آنستُ نوراً ما أتمَّ وأبهرا!!
|
فسريتُ في لألائِهِ ، وإذا به | بدرٌ تسايره الكواكبُ خُطَّرا
|
فكلُّ شرٍّ بينهم أَو أَذى | أَنت بَراءٌ منه طُهْرُ اليد
|
حُلُم أعارتني العناية ُ سمعها | فيه، فما استتممْتُ حتى فُسِّرا
|
فرأيتُ صفوي جَهرة ، وأخذتُ أنـ | ـسى يقظة ، ومُنايَ لَبَّتْ حُضَّرا
|
وأَشرت:هل لُقيا؟ فأُوحِيَ:أَنْ غداً | بالطّود أبيض من جبال سويسرا
|
إن أَشرَقَت زهراءَ تسمو للضحى | وإذا هوت حمراءَ في تلك الذُّرى
|
فشروقُها منه أَتمّ معانياً | وغروبُها أَجلى وأَكملُ منظرا
|
تبدو هنالك للوجود وَلِيدة ً | تهْنا بها الدنيا، ويغتبط الثرى
|
وتضيءُ أَثناءَ الفضاءِ بغُرَّة ٍ | لاحَت برأْسِ الطَّودِ تاجا أزهرا
|
فسمعت فكانت نصف طار ، ما بدا | حتى أناف ، فلاح طاراً أكبرا
|
يعلو العوالم، مستقلاًّ ، نامياً | مُستعصياً بمكانه أَن يُنْقَرا
|
* * *
|
سالَت بِهِ الآفاقُ لَكِن عَسجَداً | وَتَغَطَّتِ الأَشباحُ لَكِن جَوهَرا
|
واهتزَّ، فالدنيا له مُهتزَّة ٌ | وأَنار، فانكشف الوجودُ منوّرا
|
حَتّى إِذا بَلَغَ السُمُوُّ كَمالَهُ | أَذِنَت لِداعي النَقصِ تَهوى القَهقَرى
|
فدنت لناظرها ، ودان عنانُها | وتبدّل المستعظم المستصغرا
|
واصفرَّ أَبيضُ كلِّ شيءٍ حولَها | واحمرَّ برْقُعُها وكان الأصفرا
|
وسما إليها الطَّودُ يأْخذُها، وقد | جعلتْ أعاليَهُ شريطاً أحمرا
|
مسَّته، فاشتعلت بها جَنَباته | وبدتْ ذُراه الشُّمُّ تحمل مِجْمرا
|
فَكَأَنَّما مَدَّت بِهِ نيرانَها | شَرَكاً لِتَصطادَ النَهارَ المُدبِرا
|
حرقته ، واحرقت به ، فتولَّيا | وأتى طُلولَهما الظلامُ فعسكرا
|
* * *
|
فشروقُها الأَملُ الحبيبُ لمن رأَى | وغروبُها الأَجلُ البغيضُ لمن درى
|
خطبانِ قاما بالفناءِ على الصَّفا | ما كان بينهما الصفاءُ ليعمُرا
|
تتغير الأشياءُ مهما عادوا | والله عزّ وجلّ لن يتغيرا
|
أنهارنا تحت السليف وفوقه | ولدى جوانبه ، وما بين الذُّرى
|
هي من أشِّ سبيلٍ جئتها | غاية ٌ في المجدِ لا تدنو طِلابا
|
رَجْلاً، ورُكْباناً، وزَحْلَقَة ً على | عِجلٍ هنالك كهربائيِّ السرَى
|
في مركبٍ مُستأْنسٍ، سالت به | قُضُبُ الحديدِ، تعرُّجاً وتحدُّرا
|
ينسابُ ما بين الصخور تمهُّلاً | ويخفُّ بين الهُوَّتين تَخطُّرا
|
وإذا اعتلى بالكهرباء لذروة ٍ | عصماءَ؛ همّ معانقاً متسوِّرا
|
* * *
|
لما نزلنا عنه في أُمِّ الذُّرى | قمنا على فرع السليف لننظرا
|
أرضٌ تموجُ بها المناظرُ جَمَّة ٌ | وعوالمٌ نِعْمَ الكتابُ لمن قرا
|
وقرى ً ضربن على المدائن هالة ً | ومدائنٌ حَلَّيْنَ أَجيادَ القُرَى
|
ومزارعٌ للنارظين روائعٌ | لَبِسَ الفضاءُ بها طرازاً أَخضرا
|
والماءُ غُدْرٌ ما أَرقَّ وأغْزَرا | وجداولٌ هنّ اللُّجَيْنُ وقد جرى
|
فحشون أَفواهَ السهولِ سبائكاً | وملأْنَ أقبالَ الرواسخِ جوهرا
|
قد صغَّر البعدُ الوجودَ لنا، فيا | لله ما أحلى الوجودَ مصغَّرا
|